الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يسلط الضوء على حقوق وآداب الطريق
شكرًا لكم على متابعة الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يسلط الضوء على حقوق وآداب الطريق وللمزيد من التفاصيل
عقد الجامع الأزهر أمس، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان: حقوق وآداب الطريق “رؤية فقهية”، بحضور أ.د رمضان الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري، وأ.د علي مهدي، أستاذ الفقه المساعد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة، وعضو لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر، وأمين سر هيئة كبار العلماء، وأدار الملتقى فضيلة الدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر.
في بداية الملتقى قال فضيلة الدكتور هاني عودة مدير الجامع الأزهر: إن الأخلاق هي الركيزة الأساسية لأمن واستقرار المجتمعات، لهذا دعانا الإسلام إلى التحلي بالأخلاق الحسنة، فالمجتمع الذي تسود بين أفراده قيم الأمانة، والصدق، والإحسان، لا تزعزعه التحديات ولا تهزمه الفتن، بينما المجتمعات التي لا تلتزم بهذه القيم تصبح مجتمعات هشة، وقد قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‘إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، هذا الحديث الشريف ينص على أن الغاية الأسمى من رسالة الإسلام هي بناء الإنسان الصالح، القادر على بناء مجتمع فاضل يسوده العدل”، ولا تقتصر الأخلاق الإسلامية على زمان أو مكان بعينه؛ بل تلازم المسلم في كل جوانب الحياة، حتى في الطريق الذي يسلكه ، لذلك وضع الإسلام آدابًا للطريق يجب على المسلم الالتزام بها، وهناك الكثير من المشاكل المجتمعية بسبب إهمالنا لآداب الطريق ، ومن هنا، نوجه تحذيرًا شديدًا لشبابنا، ونحثهم على عدم التهاون في الالتزام بآداب الطريق.
وأكد مدير الجامع الأزهر أهمية شعور المسلم بمسؤوليته تجاه الطريق؛ لأن الطرقات عنوان لحضارة الأمم وتقدمها، لهذا، نجد القوانين الدولية تضع من بين معايير تقييم المجتمعات حالة الطرقات بها، والشكل العام لها، وما يحدث فيها، مشيرًا إلى أن ما يحدث من سلوكيات سلبية في الطرقات هي في حقيقتها إساءة للمجتمع بأكمله؛ لأن الممارسات التي تحدث في الطرقات هي عنوان لنا ودليل على مدى التزامنا بالأخلاق والقيم، كما أن التزامنا بآداب الطريق علامة من علامات الإيمان.
من جانبه، فصل الدكتور رمضان الصاوي آداب الطرق التي جاء بها الإسلام، والتي اشتمل عليها حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إِيَّاكُم وَالْجُلُوسَ في الطُّرُقاتِ، فقَالُوا: يَا رسَولَ اللَّه، مَا لَنَا مِنْ مَجالِسنَا بُدٌّ، نَتحدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ، قالوا: ومَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَر، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بالْمَعْروفِ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرِ” متفقٌ عَلَيهِ، وهذا التحذير هو توجيه يرشد المسلمين إلى ألا يجعلوا الطرق أماكن للجلوس الدائم والتجمعات التي قد تؤدي إلى إشغال الطريق أو التسبب في الإزعاج، كما أنها رسالة نبوية للمسلمين أن يلتزموا بآداب الطريق، والأمر في هذا الحديث الشريف للرجل والنساء على حد سواء، إضافة إلى أن كل تصرف سيء في الطريق يحاسب صاحبه على فعله، وعلى شبابنا أن يسيروا في الطرقات مع مراعاة حدود الآداب العامة التي أمرنا بها في ديننا الحنيف، لان المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
وبين فضيلة الدكتور رمضان الصاوي، أن الفقهاء أوْلوا حرمة الطرقات اهتمامًا بالغًا، فالأمر لا يقتصر على مجرد كونها مكانا للسير، بل يتعداه إلى دورها الحيوي، فالطرقات ضرورية لنقل الناس، وتسهيل التجارة، والوصول إلى الاحتياجات الأساسية، والتواصل فيما بينهم، ونظرًا لهذه الأهمية الكبيرة، فإن إحداث أي خلل أو ضرر فيها لا يعد مخالفة بسيطة، فالإسلام ينظر إلى إفساد الطرقات على أنه جريمة، لدرجة أن الله ساوى عقوبته بعقوبة “الإفساد في الأرض”. وهذا يؤكد مدى جسامة إعاقة المنفعة العامة وتهديد سلامة الناس، فالأفعال التي يستهين بها البعض ، مثل قطع الطريق أو ترويع المارين، أو المرور في الطريق على نحو غير مألوف، أو مزاحمة المارين بشكل يؤذيهم ويعرقل حركتهم، أو السير في عكس الاتجاه مما يعرض الجميع للخطر، كل هذه الأفعال لا تعد مجرد مخالفات بسيطة، بل هي في حقيقتها إضرار بالمنفعة العامة وتعكير لصفو الأمن، وتتعارض بشكل مباشر مع تعاليم الإسلام التي تحث على حفظ النظام والسلامة وتجرم إيذاء الآخرين في كل مكان، لا سيما في الطرقات التي هي حق مشترك للجميع، فكل هذه هي جرائم تساوى الإفساد في الأرض، وهذه المساواة للمبالغة على التشديد في حق الطريق، محذرًا من إتلاف الخدمات العامة في الطرقات أو سرقتها أو تبديدها، لأن هذا الأمر مخالفة وجريمة يعاقب عليها الشرع والقانون، ولو التزمنا بحق الطريق لكان ذلك سببًا رئيسيًا في تحقيق الأمن والسلامة.
كما أوضح فضيلة الدكتور علي مهدي أن الدين الإسلامي جاء لينظم حياة البشر في كافة شؤونهم بطريقة تحقق تكاملا في الحياة وتجعلها أكثر طمأنينة، ولهذا السبب، فإن التعاليم الإسلامية سبقت جميع القوانين والدساتير الأخرى، وهي يست مجرد مبادئ نظرية، بل هي الباعث الحقيقي للحضارة التي تنطوي على أهمية أي مجتمع، لهذا تجد المجتمع المسلم عندما يتلزم بهذه التعاليم يصبح مجتمعا مثاليا في بنيته وتركيبته الاجتماعية، فلا يجور شخص على غيره، أو يضيق على آخر، أو تغلب عليه أنانية في الاستفادة بالمرافق العامة ويحرم منه آخرين، لهذا تجد أن حتى العمارة في الإسلام مثلما راعت حق الإنسان أن يمتلك مكانا يأويه، لكن يجب ألا يكون فيه أذى لغيره، أو يجور على حق الطريق، وهذا يعكس الشمولية التي تتميز بالتعاليم الإسلامية في تنظيم أدق تفاصيل الحياة والعدالة والتعايش السلمي.
وأضاف فضيلة الدكتور علي مهدي، أن إماطة الأذى عن الطريق تعد شعبة أساسية من شعب الإيمان في الإسلام، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ”، وهذا المبدأ الإسلامي العظيم يشمل كل ما من شأنه إماطة الأذى عن الطريق، لأن هذا الخلق له دوره في تعزيز الألفة والود بين أفراد المجتمع، لأن التعدي على حقوق الآخرين أو إيذائهم يعد من الكبائر التي نهى عنها الإسلام بشدة، لدرجة أن الدين الحنيف ينهى عن العبادات التي قد تعرقل الطريق أو تضر بالمنفعة العامة، تجسيدًا لكون الإسلام يهدي إلى أقوم وأصلح الأعمال للبشرية جمعاء.
يُذكر أن الملتقى “الفقهي يُعقد الاثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى الفقهي إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وفقا للشريعة.